وهكذا بدأت أعمالنا مع هذه الشركة تتطور نحو الأفضل ورشحوني أن أكون عضواً في نادي عوالي وكنت من أوائل البحرينيين الذين تم ترشيحهم لهذه العضوية.
ومادمت قد تطرقت في حديثي إلى شركة نفط البحرين ((بابكو)) من خلال حادثة شخصية فإنني أجد من الضروري استعراض بداية عمل هذه الشركة, وما قامت به من إنجازات عادت بالفائدة على المواطن البحريني تدريباً و توظيفاً و تقدماً في المراكز الإدارية , حيث وصل اليوم عدد من موظفيها البحرينيون إلى منصب مدير عام لعدد من إدارات شركة نفط البحرين من خلال سياسة وطنية وضعتها حكومة البحرين من أجل بحرنة الوظائف في هذه الشركة العملاقة التي يشكل ما تستخرجه من نفط 70% من دخل البحرين القومي.
ولنعد إلى الوراء لنتعرف على بداية اكتشاف النفط في البحرين لنصل إلى عام (1931 م ) عندما حضر إلى البحرين المهندس ((الميجر فرانك هولمز)) الجيولوجي النيوزلندي الجنسية , موفداً من قبل شركة بريطانية صغيرة ,تحمل اسم (( إيسترن جنرال سندي كيت)), ليحصل على ترخيص من حاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة للتنقيب عن النفط وبعد عدة دراسات جيولوجية و تقنية استطاع هذا المهندس أن يضع يده على عدة دلائل تشير إلى وجود النفط في البحرين.
وبعد أن أجرى المهندس الميجر هولمز عدة مباحثات مع المسئولين في الدولة حصل على موافقة حكومة البحرين ليقوم بمهمته , إلا إنه عندما عرض اكتشافه على شركة (( إيسترن أند جنرال سندي كيت )), الموفد من قبلها رفضت تلك الشركة شراء امتياز التنقيب عن البترول في البحرين ,لعدم تأكدها من صدق أبحاث هذا المهندس, وارتفاع تكاليف التنقيب عن النفط بالنسبة لإمكانيات تلك الشركة المادية في ذلك الوقت.
ولم يقتصر الرفض على هذه الشركة وإنما تجاوزه إلى شركات بريطانيةأخرى. .
لذلك اتجه المهندس الميجر هولمز إلى عرض جهوده على شركات أمريكية أخرى , فقبلت بعرضه شركة واحدة هي (ايستندر أويل أوف كاليفورنيا) (سوكال) , و اشترت منه الإمتياز ( مائة ألف جنيه إسترليني) وأسست به شركة نفط البحرين (بابكو) في كندا عام (1929 م ) واستطاعت بعد عدة محاولات تنقيبية أن تحصل على أول اكتشاف للنفط في البحرين , إذ بدأ هذا السائل الثمين يتدفق من البئر ( رقم 1 ) عند جبل الدخان , حيث بلغ انتاجه (9600) برميل ) في اليوم.
أما تسويق أول شحنة للنفط من البحرين فقد كانت على ظهر باخرة تحمل إسم ( السيجوندو) و في عام( 1936 م ) تأسست شركة (كالتكس), التي جعلت من ( بابكو) شركتها الرئيسية العاملة في البحرين وقامت بافتتاح أول مصنع لتكرير البترول عام (1936 م ) وبلغت طاقته الإنتاجية (10,000 برميل) في اليوم.
وشهد عام (1945 م ) مد خط للأنابيب بين البحرين و المملكة العربية السعودية ,وقد أعتبر هذا الخط حينذاك من أطول الخطوط التجارية للأنابيب الممتدة تحت الماء في العالم.
أما في عام (1955 م ) فقد أكتمل برنامج توسعة مصنع التكرير و بلغت طاقته الإنتاجية ( 255,000 برميل ) في اليوم.
وأستطاعت شركة نفط البحرين (بابكو ) أن تسجل أعلى إنتاج للنفط في عام (1970 م )إذ بلغ ( 76,000 برميل ) في اليوم.
و في عام (1970 م ) رأت حكومة البحرين أن تؤسس شركة نفط البحرين الوطنية (بناكو).
وفي عام (1979 م ) تأسست شركة غاز البحرين الوطنية (بناغاز) كشركة مساهمة تمتلك حكومة البحرين 75% من أسهمها, و شركة كالتكس 12,5% و المؤسسة العربية للإستثمارات العربية 12,5 % وهي الجهة التي وكل إليها مسئولية تشغيل معمل الغاز المركزي.
إذن مما سجلته سابقاً ندرك أن أكتشاف النفط في البحرين و العمليات الإنتاجية المتعلقة به و تسويقه عالمياً , أدى إلى إحداث تحول اقتصادي جذري بالنسبة لزيادة الدخل القومي و تغيير أسلوب معيشة المواطن الحريني, الذي كان يعتمد على الغوص وإستخراج اللؤلؤ وتسويقه.
إذ اتجه معظم البحرينيين إلى العمل في مجال استخراج النفط, غير أن الإنتعاش الاقتصادي والإجتماعي و السياسي و التعليمي و الثقافي, بدأ عندما بدأت العمالة البحرينية تتجه إلى الأعمال المتفرعة عن عملية استخراج النفط.
ووجد المسئولون في البحرين ضرورة توطيد دعائم الدولة اقتصادياً من خلال خطط اقتصادية و اجتماعية مدروسة لتصبح بها البحرين مركزاً دولياً للأعمال المصرفية و الاقتصادية وكما نلاحظ فان التخطيط إمتد إلى جميع جوانب الحياة بهذه الدولة ,لتكتمل صورة البحرين المتقدمة حضارياً مثلما نراها اليوم.
لم يكن نصيب حكومة البحرين من دخلها النفطي تجاوز حتى عام (1971 م ) إلا حوالي 15 % من مجموع الدخل الكلي لذلك رأى المسئولون في ذلك العام أن يجتمع وزير التنمية و الصناعة السيد ( يوسف أحمد الشيراوي ) وعدد من المسئولين في الوزارة مع مندوبين من قبل شركة ( كالتكس) ليقوموا بإعادة تشكيل هيكل شركة (بابكو) المادي و الإداري ليصبح نصيب حكومة البحرين 60 % من أسهم الشركة (كالتكس) و 40 % من الأسهم بعد أن أنيطت اليها عمليات تكرير النفط و تخزينه و شحنه إلى الدول إلى الدول الأخرى.
وهكذا تشكل مجلس إدارة يضم 6 أشخاص من قبل حكومة البحرين, و 4 أشخاص يمثلون شركة (كالتكس)على أن يجتمع ذلك المجلس كل ثلاثة أشهر برئاسة السيد (يوسف أحمد الشيراوي) وزير التنمية و الصناعة في البحرين.
مما سبق ذكره نلاحظ أن شركة نفط البحرين اهتمت كثيراً ببحرنة الوظائف لتوسيع سوق العمل بالنسبة للبحرينيين فقامت بتدريب عدد من الموظفين العاملين في الشركة منذ البداية وقد احتل بعضهم اليوم مراكز قيادية في وزارات الدولة و المصارف المالية, واستمرت سياسة بحرنة الوظائف ليصل نسبة العاملين البحرينيين في هذه الشركة إلى 86 % من مجموع القوة العاملة البالغ عددها (3271) موظفاً من خلال توسع برنامج المنح الدراسية التي تقدمها الشركة للبحرينيين.
وأعود بعد أن سردت هذه المعلومات التاريخية عن (شركة نفط البحرين) لما لها من تأثير كبير على تطور البحرين في مختلف المجالات, إلى ذكرياتي كتاجر بحريني شاب آمن أن الإخلاص في العمل وإتقانه و الإيمان بالله و الثقة بالنفس لابد أن تصل به يوماً إلى التفوق و النجاح في عمله.
حضر إلى مكتبي في عام (1944 م ) مندوب R.A.F ( سلاح الجو الملكي)وكان يدعى أندروس ليقول لي:
" إن الحكومة البريطانية تعتزم القيام ببناء بيوت من السعف ومكاتب مبنية من حجر بحري مستخرج من البحر في المحرق, وهذا يتطلب صخوراً ومواد أخرى كثيرة , فإذا كنت على استعداد لشراء هذه المستلزمات فإن المسئولين يرحبون بالتعاون معك ".
ووافقت سعيداً بهذه العملية وتم التعاقد معي على القيام بتوفير طلبية صغيرة قمت بتنفيذها على أفضل وجه وأخذت عليها عمولة قدرها 5 % وبدأ عملي يتطور مع (( سلاح الجو الملكي )) R.A.F والتحق بعملي في تلك الفترة السيد أحمد أمين الخاجة كموظف ثالث,وكنت حتى عام (1944 م) أحاول توفير عدد الموظفين بسبب ضعف إمكانياتي المادية, فكنت أطلب من موظف هندي كان يعمل لدى العجاجي أن يأتي لي وقتاً إضافياً بعد أن ينتهي من دوامه الرسمي ويكتب لي بعض الرسائل ,وكنت أكتب أيضاً في تلك الفترة رسائلي وقوائمي بنفسي وأقضي الليل كله في تسجيلها لكنني بعد فترة قصيرة عينت موظفاً لدى كان يدعى ( كيجريا) براتب و قدره 300 روبية في الشهر وأصبح لدي بذلك موظف دائم لكتابة رسائلي و قوائمي الحسابية ولإني كنت انفذ مشروع مع ( سلاح الجو الملكي) اشتريت صخوراً من بيوت قديمة كانت قد هدمت في الحد و المحرق هذه بالإضافة إلى الصخور التي اشتريتها من والدي, لأنه كان يملك أرضاً بجانب الجسر وقد أنفق حوالي ( 1500 روبية ) ليدفنها وعرضت عليه ( عشرة آلاف روبية ) لشراء هذه الأرض, فوافق وسجلها بإسمي ثم اتفقت بعد ذلك مع ( سلاح الجو الملكي ) R.A.F لبيع الصخور المتواجد بها بمبلغ ( 8 آلاف روبية) واستبدالها فيما بعد بصخور حديثة عندما تطورت البحرين و تواجدت بها سيارات للنقل وقد كلفني ذلك كما أذكر (4 آلاف روبية ) .
وكان قد أزعجني قول مدير (سلاح الجو الملكي) بإني يجب أن أرسل قوائمي .. حيث أني كنت أشتري بضائعي من تجار بحرينيين ولم يكن بعضهم يعطيني قوائم على مشترياتي وعشت في أزمة لم أكن أدري كيف أخرج منها؟, كان مدير التموين مصراً على أن أخصم من أسعاري 20 % وكان يعني ذلك أن أدفع (33000 روبية) من مجموع رأسمالي الذي بلغ حتى تلك السنة (150 ألف روبية ) أو سيرسل بأوراقي إلى المحكمة, وكانت احكام القضايا الخاصة بالحكومة البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية وأواخرها في البحرين لا تناقش , لذا قلت لنفسي لو دخلت في محاكمة مع المسئولين في الحكومة البريطانية قسأكون الطرف الخاسر,لماذا لا أدفع لهم ( 33000 روبية ) واتخلص من المحاكمة ،لأنني لا أملك دليلاً في يدي لأواجههم به حيث أني لم أكن أملك قوائم للتجار المحليين.
كنت حزيناً جداً لكنني كعادتي قررت أن اواجه الموقف بشجاعة وعاهدت نفسي أن أسعى مستقبلاً لأسترجع المبالغ التي دفعتها غرامة للبحرية البريطانية وهكذا انقطعت عن التعامل معهم, وبعد فترة التقيت بشخصية مرموقة من المسئولين في القيادة الجوية البريطانية وأخبرني بأن أحد الأشخاص قام بإدخال الشك في قلب المسئول ودفعه إلى إرسال قوائمي إلى مركز التموين في ذلك الوقت, بسبب اعتقاد القيادة أنني أبالغ في رفع أسعاري وقد شعر المسئولون أنهم ظلموني وان أسعاري كانت معتدلة إذ تعاملت القيادة مع تجار آخرين خلال فترة أنقطاعي عنهم, ووجدوا ان الزيادة التي كانت تفرض عليهم بلغت أكثر من 40 % مما كنت قد حددتها لهم لذلك أراد المسئول ان يبدأ صفحة جديدة معي من العلاقات التجارية, قائلاً:
" نريدك يا أخ يوسف أن تزودنا بما نحتاج إليه من معدات فهل توافق؟؛
قلت له بكبرياء:
"أوافق بشرط أن تحسب البضائع التي أشتريتها لكم بسعر يوم شرائها لا بعد ذلك "
. ووافق المسئول على هذا الشرط , وبدأت أعمل لحسابهم إلى أن بلغت قيمة البضائع التي قمت ببيعها عليهم حوالي(مليون روبية) ووصلت فائدتي منها (100 ألف روبية)أي 10 % من سعرها الكلي.